الصفحات

فتوى في بيت إبراهيم - حسن السيد محمد ترحيني

(فتوى في بيت إبراهيم) هي الرواية التي نشرها الكاتب السيد عباس (إبراهيم)الحسيني منذ شهور، وحاول فيها الإحاطة بالظروف السياسية والإجتماعية والتاريخية لحادثة اغتيال إسماعيل الزين بفتوى من السيد محمد إبراهيم في بداية القرن المنصرم. 
أحداث الرواية وشخصياتها: بدأت الرواية بحشد الكاتب للصفات المثالية التي عُرف بها السيد محمد وقوّة تأثيره في الناس ومحاولته الثورة ضدّ الإقطاع، وبالمقابل حاول تصوير البيك بصورة الظالم المستبدّ، مستعرضاً بعض الصور من ظلم حاشيته للعمال والفلاحين وما تناقلته الذاكرة عن تعسّف ابنه في أعراض الناس واستدراجه الفتيات للعمل في قصر العائلة ثم استغلالهنّ ومنع أهاليهنّ من لقائهنّ.ولكن _حسب الرواية_ فإن دوافع الإغتيال كانت شخصية تمّ إلباسها لبوساً دينيا، فالمنفّذ (علي جعفر) ناقمٌ على البيك لأنه لم يسعَ في إطلاق سراح أخيه المسجون بسبب البيك. بحثَ المنفّذ عن مسوّغ شرعي للقتل، ففهم من كلام السيد محمد إبراهيم إذنا بالإقدام، مع أن الفتوى لم تكن مكتوبة ويُقال بأنها مشروطة بشروط لم نفهمها تماماً من سياق الرواية. وقَعَ الإغتيال أثناء زيارة إسماعيل الزين لبيروت، ثم ألقت السلطات العثمانية القبض على مطلق النار وأودعته السجن، وفرّ السيد محمد إلى قرية الجاعونة في فلسطين، وأقفلت المدرسة الدينية في النميرية أبوابها، وتوزعت العائلة على القرى المحيطة، ولم ينتقم آل الزين بشكل مباشر من آل إبراهيم. بعد فترة تغيّرت الظروف السياسية والإجتماعية في البلاد، فعاد السيد من منفاه الطوعي، ولم تعتقله السلطات التي دانته بالتحريض وحكمت بسجنه أربع سنوات. ثم توسّط آل عسيران للجاني فأطلق سراحه رغم إدانته من قبل المحكمة، وظلّ مصراً على إنكاره يأن يكون هو مطلق النار. وبعدما طوى الزمن حادثة الإغتيال، نرى السيد محمد إبراهيم يتحالف مع آل عسيران وآل الزين في السياسة، وفي دعمه لقيام دولة لبنان الكبير. هنا تصبح صورة السيد ضبابية من خلال الرواية، بعدما يُلقي الكاتب عليه اللوم لعدم إكماله ثورته ضد الفساد الإجتماعي والسياسي، وهو ما ترتب عليه تراجع التأثير العلمي والإجتماعي للعائلة وإقفال مدرستها في النميرية وهجرة أبنائها من القرية. تقدّم الرواية سردا تاريخياً موضوعياً إلى حدّ بعيد، فالكاتب لم يتأثّر بوشائج القربى العائلية عندما قارب شخصية أحد كبارها، فنراه يبدي إعجابه بالسيد ثم ينتقده وينتقد من خلاله دور رجال الدين في الحياة السياسية. 

الزمان في الرواية: لم يكن الزمان في الرواية تصاعديا، إذ يُفترض أن تجري الأحداث وفق تسلسلها المنطقي والزمني. ولكنّ الرواي كان يأخذ إجازة من الزمن فينتقل من قلب الأحداث إلى الماضي السحيق ليتحدّث عن  أصول العائلة، ثم يعود إلى أجواء الرواية، ثم يطلّ (جان دار) حارس الروح ليبعثر الزمان والمكان في كثير من الأحيان. فقد اعتمد الكاتب في سرده على آلية السفر عبر الزمن لاسترجاع أحداثه. فقد سافر (نبيل) من عالمه وزمانه إلى الماضي ليتابع مجرياته. ولكن كان ينقص هذه الآلية إيضاح عنصر المشابهة لتبرير السفر والعودة للماضي، كأنْ تتشابه حادثتان بين الحاضر والماضي أو يتشابه أمران يذكّر أحدهما بالآخر. وإذا كان سفر نبيل عبر الزمن قد حصل دفعة واحدة، فإن العودة لحاضره لم تكن كذلك. بل كانت تدريجية، حيث حطّ رحاله في زمن السيد مهدي إبراهيم أخي السيد محمد، مستعرضا جانبا سريعا من حياته. ثمّ انتقل إلى زمن آخر وعرض بشكل مقتضب لقصة (حياة) وهي شابة من آل إبراهيم عانت وقاست، ويبدو أنها ملهمة الكاتب وسبب حزنه المختبئ خلف سطوره. 
صورة للسيد محمد إبراهيم عام 1935


المكان في الرواية: تدور أحداث الرواية في قرى الجنوب (النميرية، الكوثرية، أنصار، ...) وفي بيروت وبعض قرى فلسطين. لم يعتنِ الكاتب كثيرا بوصف المكان وأبعاده حيث تجري الأحداث، مما ضعّف من عمق الإحساس بحالة الشخصيات لدى القارئ. وقد اكتفى غالبا بوصف عام للقرى والمدينة، ومن المعلوم أن وصف المكان في الروايات يكشف لنا عن الخصائص والأبعاد المادية للحياة الجارية فيها. 

حالة الشخصيات : أكثر الكاتب من وصف الحياة الخارجية للسيد محمد، وكذلك فعل مع اسماعيل الزين ولكن بوتيرة أقل، ولكنه لم يهتمّ كثيرا بوصف الحالة النفسية لشخصيات الرواية فلم يدخل إلى نسيج الحياة الداخلية ولم نرَ الحالة النفسية والشعورية لهم. 

لغة  الرواية : جاءت لغة الرواية عادية بعيدة عن التكلّف، ولكنها أيضا تنحو منحى البساطة في بعض فصولها. فلم يكثر الكاتب من استعمال الألفاظ التي لها دلالات شعبية وتراثية ، والتي توثّق علاقة الشخصيات بزمانها ومكانها، بل استغرق في السرد التاريخي ولم يعطِ النواحي البلاغية والمحسنات اللفظية اهتماما كافيا. 

خلاصة: تمثّل الرواية جهدا بحثيا في تاريخ عائلة آل إبراهيم، كما تُعتبرالمادة التاريخية التي تضمنتها من أغنى المواد التي طالت تلك الفترة وإن على نطاق أسريّ ضيّق.  ورغم أن الأسلوب واللغة شابهما بعض الشوائب _التي لا تخلو منها رواية_ فإن هذا العمل يُعتبر لُبنة في مدماك التراث وخطوة في لملمة الذاكرة العاملية المبعثرة.