رسالة ابن المؤيد إلى الشهيد الأول - القرن الثامن الهجري

 قال السيد حسن الامين في مستدرك أعيان الشيعة ( ج ٢ - الصفحة ١٨٢) : " إن علي بن المؤيد بعد تثبيت دعائم حكومته. وجد أن الصوفيين والدراويش يريدون السيطرة على الأمور، وأن هذا العمل قد يزعزع أسس المدرسة الشيعية، ومن أجل ذلك فقد أراد الاستفادة من فقهاء الشيعة لقيادة الشيعة وإرشادهم في بلاده وتوسيع نطاق التشيع الحقيقي الذي كان مذهب أبناء الإقليم. حول رسالة علي بن المؤيد لم يعرف متى حرر علي بن المؤيد رسالته ومتى أرسلها إلى الشهيد الأول، فقد تسلم علي بن المؤيد السلطة في سنة 766 وعزل سنة 783 بأمر من تيمور... وكانت مدة حكمه سبعة عشر عاما.
إن الشهيد الأول رفض دعوة علي بن المؤيد، وربما كان الرفض بسبب عدم رغبته في ملازمة البلاط والجهاز الحكومي. ولكنه وكما سنشرح فقد ألف كتاب اللمعة وهو من أشهر كتب الفقه لدى الشيعة، وأرسله إلى علي بن المؤيد إلى سبزوار ليعمل به أهل العلم من الشيعة ويدرسون على أساسه ويفتون بموجبه ويربون شيعة خراسان على أساس نظرية التشيع الأصيلة والمدرسة الجعفرية العريقة لقد استشهد الشهيد الأول سنة 786، وكان علي بن المؤيد ما زال حيا حيث قتل سنة 788 بأمر من تيمور. ويقول الشهيد في بداية كتاب اللمعة في سبب تأليفه لقد كتبته تلبية لطلب أحد المتدينين. وبعد مرور مائة وخمسين سنة على تأليف كتاب اللمعة ألف زين الدين علي بن أحمد العاملي الجبعي مواطن الشهيد الأول والمعروف بالشهيد الثاني كتابا في شرح كتاب اللمعة أسماه شرح اللمعة يدرس منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا في جميع حوزات الشيعة العلمية. وهو كتاب يحتوي على دورة كاملة من فقه الشيعة. تم تأليفه من قبل اثنين من فقهاء الشيعة الكبار وهما من أهالي جبل عامل واستشهدا بتهمة التشيع وفي سبيل اعتقادهما." انتهى 


وجاء في كتاب (كيف رد الشيعة غزو المغول - للشيخ علي الكوراني العاملي ج1- ص364)حكم علي بن مؤيد الحكم سنة 766 هـ، وشعر بحاجة الدولة إلى مرجع كبير، وكان اسم العلامة الحلي وتلاميذه يملأ الآفاق، ومنهم محمد بن مكي الجزيني العاملي كبير فقهاء الشيعة في بلاد الشام، فكتب إليه ابن المؤيد الرسالة التالية:
( بسم الله الرحمن الرحيم
 سلامٌ كنشر العنبر المتضوع * يُخَلِّف ريحَ المسك في كل موضعِ
 سلامٌ يباهي البدرَ في كل منزل* سلامٌ يضاهي الشمسَ في كل مطلعِ
 على  شمس  دين الحق قد دام ظله * بجَدٍّ  سعيدٍ  في  نعيمٍ   مُمَتَّعِ
 أدام الله تعالى مجلس المولى الهمام، العالم العامل الفاضل الكامل، السالك الناسك، رضي الأخلاق وفيّ الأعراق، علامة العالم مرشد الأمم، قدوة العلماء الراسخين، أسوة الفضلاء المحققين، مفتي الفرق الفارق بالحق، حاوي الفضائل والمعالي، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي، وارث علوم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، محيي مراسم الأئمة الطاهرين عليهم السلام، سر الله في الأرضين، مولانا شمس الملة والدين، مد الله أطناب ظلاله بمحمد وآله، من دولة راسية الأوتاد ونعمة متصلة الأمداد إلى يوم التناد. 
وبعد ، فالمحب المشتاق مشتاقٌ إلى كريم لقائه غاية الإشتياق ، وأن يمن بعد البعد بقرب التلاق:
حرم الطرف من مُحَيَّاكَ لكنْ * حظيَ القلبُ من مُحَيَّاكَ رَيَّا 
 يُنهي إلى ذلك الجناب، لا زال مرجعاً لأولي الألباب ، أن شيعة خراسان صانها الله عن الأحداث ، متعطشون إلى زلال وصاله والاغتراف من بحر فضائله وإفاضاته، وأفاضل هذه الديار قد مزقت شملهم أيدي الأدوار، وفرقت جلهم أو كلهم صنوف صروف الليل والنهار. قال أمير المؤمنين عليه سلام رب العالمين: ثلمة الدين موت العلماء، وإنا لا نجد فينا من يوثق بعلمه في فتياه، ويهتدي الناس برشده وهداه، فهم يسألون الله تعالى شرف حضوره والاستضاءة بأشعة نوره والاقتداء بعلومه الشريفة، والاهتداء برسومه المنيفة. واليقين بكرمه العميم وفضله الجسيم أن لا يخيب رجاءهم ولا يرد دعاءهم، بل يسعف مسؤولهم وينجح مأمولهم.
 قال الله تعالى : وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ . . . ولا شك أن أولي الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية، وأحرى القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثم الجسمانية، فهما عقدتان لا تحلهما الأدوار والأطوار، بل شعبتان لا يهدمهما إعصار الأعصار. ونحن نخاف غضب الله على هذه البلاد لفقدان الرشد وعدم الإرشاد، والمأمول من إنعامه العام وإكرامه التام أن يتفضل علينا ويتوجه إلينا متوكلاً على الله القدير، غير متعلل بنوع من المعاذير إن شاء الله تعالى. والمتوقع من مكارم صفاته، ومحاسن ذاته إسبال ذيل العفو على هذا الهفو، والسلام على أهل الإسلام. المحب المشتاق : علي بن مؤيد ) . انتهى .