حكمةُ اللهِ - شعر موسى الزين شرارة في رثاء حسن كامل الصباح

قصيدة كتبها الشاعر موسى الزين شرارة سنة 1935 ونُشرت في جريدة "القلم الصّريح" المرجعيونيّة بمناسبة استقبال جُثمان المخترع النّابغة المرحوم حسن كامل الصبّاح الّذي قاطعه الإقطاعيّون والمُعمّمون الرجعيّون في "جبل عامل" لدى وصوله من "أمريكا". وأسباب المقاطعة بزعمهم أنّ "الفقيد الكبير" عالم عصريّ ربّما كان "مُلحدًا". القصيدة :
واهٍ للحقٍ ما لهُ منْ نصيرِ بينَ هذا الوَرى ولا منْ مُجيرِ

نبذوهُ نبذَ الغُواةِ ومالوا عن سناهُ إلى ظلامِ الشّرورِ
كمْ بحثْنا ضمنَ "الجوامعِ" عنهُ ونشدناهُ في زوايا "الدُّيورِ"
ثمَّ عُدنا وما اهتدينا إليه ليتَ شِعري – أباتَ ضمنَ القبورِ؟
يا أخَ الشِّعرِ كمْ تظلُّ تُنادي أفترجو إجابةً منْ صخورِ؟!
تحملُ النّورَ بينَ "شعبٍ ضريرٍ" أيُّ معنى للنّورِ عندَ الضّريرِ؟!
قلْ لمنْ حاربوكَ جهلًا وساروا خلفَ وغدٍ – للانتدابِ – أجيرِ
وجهولٍ – ما زالَ في كلِّ طاغٍ مستبدٍ منَ الجدودِ – فخورِ
كمْ أنادي ولا يُجابُ نِدائي وتجيبونَ صوتَ "شيخٍ وخوري"
يشهدُ اللهُ أنّهُ ما تَجلَّى بسناهُ لغيرِ أهلِ الشّعورِ
لو دخلتمْ هياكلَ الشِّعرِ يومًا لازدريتمْ بشاهقاتِ القصورِ
لو ظفرتمْ بجُرعةٍ منْ طلاهُ ما حفلتمْ بصافياتِ الخمورِ
لو رأيتمْ عرائسَ الوحي حولي ما فُتنتمْ بباسماتِ الثّغورِ
أنا روحٌ والنّاسُ طينٌ وماءٌ أنا زهرُ الرّبى وضوعُ العبيرِ
أنا أنشودةُ السّلام رواها سفرُ عيسى والذِّكرُ(1) بعدَ الزّبورِ
أنا نورٌ منْ ربِّكمْ فاستضيئوا يا بني الأرضِ – للسّلامِ بنُوري
كلُّ صوتٍ يُبيدُهُ الدّهرُ يومًا غيرُ صوتي يظلُّ عبرَ الدّهورِ
لا تسلني ولا تقلْ ما لشعبي لا يُبالي بقاصماتِ الظّهورِ
قانعًا بالهَوانِ والذلِّ عيشًا لا شقاءً يشكو ولا ثقلَ نيرِ
جامدَ الدّمعِ إنْ يمتْ كلَّ يومٍ ألفُ فذٍّ منهُ وألفُ خطيرِ
قلتُ ماتَ الشّعورُ فيهِ فماذا؟! يرتجي النّاسُ منْ عديمِ الشُّعورِ
إنَّ شعبًا ما زالَ "متحفَ جهلٍ" ذكرياتٍ لمُظلماتِ العُصورِ
يحسبُ "الطبَّ" بدعةً أو حرامًا ويُداوي عليلَهُ "بالنّذورِ"
ويرى العلمَ والتّطوّرَ "كفرًا" لهوَ أولى الوَرى بسُكنى القُبورِ
أنا أخشى أنْ لا يُلبّي إذا ما نبّهَ اللهُ خلقَهُ للنُّشورِ(2)
لا تقلْ عقَّ شعبَهُ فقريضي لو تدبّرتَ – نفثةُ المصدورِ
آه لو كنتُ جرولَ(3) الشِّعرِ أو لوْ كانَ لي في الهجاءِ باعُ "جريرِ"
لشفيتَ الفؤادَ منهُ بهجوٍ لاذعٍ مُقذعٍ ونقدٍ مريرِ
وضعتني الأقدارُ ما بينَ قومٍ لا يُراعونَ ذمّةً للضّميرِ
يعبدونَ القويَّ لا لِمَعانٍ سامياتٍ ولا لعِلمٍ وفيرِ
صغرتْ منهمُ النّفوس فأمسوا "كالمواشي" تقودُهمْ بالصّفيرِ
قمتُ أبكي لمّا رأيتُ بلادي جنّةَ الخلدِ – مرتعًا للشّرورِ
والفقيرَ الضّعيفَ ما بينَ "شيخٍ" وزعيمٍ كالشّلوِ بينَ الصّقورِ
ورأيتُ الدِّينَ الحنيفَ حُسامًا "لعميلٍ" وتاجرٍ وأجيرِ
فاستشاطوا غيضًا وشنّوا لحربي كلُّ بغيٍ وكلَّ إفكٍ وزورِ
واستباحوا "دمي" وأفتتْ شيوخٌ لا رعاهُ الإلهُ – في تكفيري(4)
فاحتملتُ الأذى وقلتُ لنفسي حصنُكِ الحقُّ لا تُراعي وثوري
هكذا قيلَ للنّبيّ قديمًا هكذا قيلَ للإمامِ الكبيرِ(5)
كلُّ عصرٍ لهُ حسينٌ وشِمرٌ(6) حكمةُ اللهِ قبلَ خَلقِ العصورِ
موسى الزّين شرارة ---------------------------------------------------------------
1) الذكر الحكيم القرآن الكريم.
2) قال العلاَّمة الكبير والأديب والشّاعر المغفور له السيّد "حسن محمود الأمين" إنّ هذا البيت أبلغ ما قيل في التّخلّف والجمود.
3) الشّاعر الحطيئة المعروف والمشهور بالهجاء وكذلك جرير.
4) * تكفيري من قبل أحد المشايخ، وإهدار دمي.
5) الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
6) شمر بن ذي الجوشن أحد قتلة شهيد كربلاء الحسين بن عليّ عليهما السّلام.