السيد نجيب خلف العاملي

ترجمة كتبها السيد محسن ابن السيد أحمد شوقي الأمين: 

العلّامةُ السيّدُ نجيبُ إبنُ السيّدِ أبِي إسماعيلَ، محمّدٍ إبنِ السيّدِ إبراهيمَ إبنِ السيّدِ حسنٍ آلِ يوسفَ من شقراءَ، المتفرّعينَ مِن آلِ السيّدِ خلَفٍ أخي السيّدِ فضلِ اللهِ جدّ الأسرةِ الحسنيّةِ الشهيرةِ في عينَاثَا مِن أعمالِ جبالِ عاملةَ، المنتهي نسبُهُما إلى عبدِ اللهِ بنِ الحسنِ المُثَنّى إبنِ الإمامِ الحسنِ السبطِ الشهيدِ المسمُومِ، إبن الإمامِ عليٍّ بنِ أبِي طالبٍ أميرِ المؤمنينَ، وإبنِ السيّدةِ الزهراءِ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلّمَ.

وَلِدَ سيّدُنا الراحلُ في سنَةِ ١٣٦٤ هجريّةٍ، ١٩٤٥ ميلاديّةٍ، في دكّارَ عاصمةِ السنغالِ، حيثُ كانَ والدُهُ السيّدُ محمّدُ ابراهيمَ يوسفَ مُهاجرًا، كالكثيرِ مِن أبناءِ بلدتِهِ شقراءَ المجايلينَ له. وكانَ سيّدُنَا الفقيدُ ثالثَ أبناءِ الأسرةِ، والدتُهُ الحاجّةُ خديجةُ شرارةُ، هي أيضًا، سليلةُ بيتٍ من بيوتاتِ العلمِ والمعرفةِ، ومن أهلِ التديّنِ والأخلاقِ في جبلِ عاملٍ، فجمعَ أبناءُ العائلةِ خصالَ العلمِ والفهمِ والذكاءِ والأخلاقِ والتديّنِ والتهذيبِ، مضافًا إليها تواضعٌ جمٌّ وحياءٌ عميم، وأكثر ما تجلّت المكارمُ في هذِهِ الأسرةُ في سيّدِنا العالمِ النجيبِ، الذي زيّنَها بالعلمِ، وحلّاها بالمعرفةِ، وزانها بحسنِ السريرةِ، وتوّجها بلينِ العريكةِ وخفضِ الجناحِ والبشاشةِ وصباحةِ الوجهِ وطلاقةِ المُحيّا. حتّى اذا قلتَ: بقيّةُ السلفِ الصالحِ السيّدُ نجيبٌ؛ ما قلتَ إلّا حقّا، ولا نطقتَ إلّا صدقا، فيه تتجلّى وراثةُ العلماءِ للأنبياءِ، وبِهِ، وبأمثالِهِ، يعلمُ فضلُ مدادِ العلماءِ.
كانَ طفلًا صغيرًا عندمَا أرسلَهُ والدُهُ التقيُّ الورعُ إلى لبنانَ كي يتربّى تربيّةً صالحةً، بعيدًا عن التغرّبِ والتفرنجِ، فدخلَ المدرسةَ النظاميّةَ في لبنانَ إلى أن وصلَ إلى المرحلةِ الثانويّةِ، وقبلَ إنهائِها فِي حوالَي سنةِ ١٣٨١ هجريّةٍ، ١٩٦٢ ميلاديّةٍ، يمّمَ وجهَهُ شطرَ النجفِ الأشرفِ في هجرتِهِ الأولى، قاصدًا حوزةَ أميرِ المؤمنينَ، على إبنِ عمّهِ، وعليهِ، وآلهما، آلافُ التحيّةِ والسلامِ، لينهلَ من معينِها، وقد فعل.
 في هذِهِ الفترةِ مِن وجودِهِ في النجفِ الأشرفِ، تأهّل السيّدُ من حرمِهِ الفاضلةِ كريمةِ علّامةِ جبلِ عاملٍ وبلادِ الهرملِ العلّامةِ الشيخِ موسى نجلِ الشيخِ عبد الكريمِ إبنِ الشيخِ موسى أمينِ شرارةٍ، وقَد رُزقا أربعةً من البنينَ: صاحبي السماحَةِ السيّدَ عليًّا والسيّدَ إبراهيمَ، والسيّدين محسنًا وحيدرًا.
دامت هجرتُهُ الأولى بضعَ سنينَ، عادَ بعدَها إلى لبنانَ، بسببِ ظرفٍ خاصٍّ، لمدّةِ عامينِ تقريبًا، تابعَ تحصيلَهُ العلميَّ خلالَهما، بالدرسِ والتدريسِ، في المعهدِ الشرعيّ الإسلاميّ في منطقةِ النبعةِ، في ضاحيةِ بيروت الشماليّةِ والذي كانَ أسّسهُ العلّامةُ الراحلُ السيّدُ محمّدُ حسينِ فضلِ الله.
عادَ السيّدُ الفقيدُ النجيبُ إلى حاضرةِ النجفِ الأشرفِ، في هجرتِهِ الثانيةِ، قبلَ سنةِ ١٣٩٠ هجريّةٍ، ١٩٧٠ ميلاديّةٍ، حيثُ مكثَ حتّى سنةِ ١٣٩٧ هجريّةٍ، ١٩٧٧ ميلاديّةٍ، مكبًّا على تحصيلِ مختلفِ العلومِ، وصنوفِ الكمالاتِ، وفنونِ الفضائلِ، حتّى حازَ قصبَ السبقِ في المضامير، وطارَ صيتُ فضلِهِ وورعِهِ وتقواهُ في جميعِ الآفاقِ، فعادَ إلى لبنانَ عالمًا، فقيهًا، مجتهِدًا، قويّ الحُجّة، حسنَ الوصولِ إلى دقيقِ المطالِبِ، على غايةٍ من الإنصافِ في المباحثةِ والمناظرةِ، جيّدَ العبارةِ، ورعًا، تقيًّا، أريحيًّا، مهيبًا، محمودَ النقيبةِ، لا يُقدَّمُ عليهِ أحدٌ من أقرانِهِ، رقيقَ الطبع، معتدلَ السليقةِ، حسنَ المحاضَرةِ، على جانبٍ عظيمٍ جدًّا من حُسنِ الخُلُقِ، ولينَ الجانِبِ، وشرفَ النفسِ، صبيحَ الوجه، بهيَّ الطلعةِ، اتفّق كلُّ مَن عرفَهُ على تعظيمِهِ وتوقيرِه.
توفّيَ عصرَ الثلاثاءِ الثالثِ والعشرينَ مِن شهرِ ذي القعدةِ لسنةِ ١٤٤١ هجريّةٍ، الرابعَ عشرَ مِن تمّوزَ ٢٠٢٠ ميلاديّةٍ. فيكونُ عمرُهُ الشريفُ نحوًا من ثمَانيةٍ وسبعِينَ سنةً قمريّةً، قضاها في خدمةِ العلمِ، إفادةً واستفادةً، وفي تأييدِ الدينِ، وقضاءِ حوائجِ المؤمنينَ، وإصلاحِ ذاتِ بينِهم.
كان متوقّدَ الذِهنِ، طيٍبَ الأخلاقِ، مثابرًا على الإفادةِ والاستفادةِ، حتّى أثناء بلاءاتِهِ الّتي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وقد ابتُليَ، رحمَهُ اللهُ، بأشكال من البلاءاتِ شتّى، من  شبابِهِ، وما برحَت تلازمُهُ، وتتجدّدُ أنواعُهَا، وتتوالَى صنوفُها عليهِ، إلى حين وفاتِه، وهو ما فتئ يُلاقِيها بالصبرِ والتسليمِ والتوكّلِ، وقد أسلمَ الروحَ على هذِهِ الحالِ: صابرًا مُحتسبًا مُطمئنًّا مُستأنسًا، لا يلتفتُ لشيءٍ من هذِهِ الدُنيا وهمومِها: صغيرِها وكبيرِها، حقيرِها وخطيرِها، بما لا يدعُ مجالًا للشكّ بأنّه مِن أهلِ اللهِ المعروفينَ في السماءِ.
قرأ في النجفِ الأشرفِ الدروسَ العالِيةَ في الفقهِ والأصولِ على كبارِ أساتذتِها وعظامِ مراجِعِهَا، منهمُ السيّدُ عبدُ الصاحِبِ الحكيمِ، والسيّدُ محمّدُ باقرِ الصدرِ، والسيّدُ أبو القاسمِ الخوئيِّ، أعلى اللهُ درجاتِهِم أجمعينَ.
وتخرّجَ على يديهِ في العراقِ ولبنانَ عددٌ كثيرٌ من طلبةِ العلم: علماءَ وفضلاءَ، أثناء مسيرتِهِ العلميّةِ التي نافت على الستينَ عامًا.
ولقد بذلَ سماحتُهُ، تقدّسَت نفسُهُ الزكيّةُ، مُذ حلَّ في لبنانَ عالمًا، حتّى في أحلكِ الظروفِ، الخاصّةِ والعامّةِ، جلّ وقتِهِ، مُضافًا للتدريسِ في الوعظِ والإرشادِ وتبليغِ أحكامِ الدينِ، ونشر شريعةِ سيّدِ المُرسلينَ، في الخليجِ وأفريقيا وأوروبا وأمريكا، وفي لبنانَ: فِي جبلِه عامّةً، وفِي القماطيّةِ وما جاورَها خاصّةً، وفي بيروتَ وضواحيها، لا سيّما قيامَهُ بوظيفةِ المرشدِ الدينيّ في مسجدِ الإمامِ الحسنِ، عليهِ السلامُ، في الرويس، كما في أنحاءِ جبلِ عاملٍ.
وبينَ التربيةِ والتدريسِ في المساجدِ والمحافلِ والحوزاتِ العلميّةِ، وبينَ الإرشادِ والوعظِ والتبليغِ في أربعِ رياحِ الأرضِ، وفي أغلبِ المناطقِ اللبنانيّةِ حيثُ يتواجدُ المؤمنونَ، وحيث تدعو الحاجةُ، - بينَ هذا وذاكَ أغنى المكتبةَ الإسلاميّةَ بعددٍ كبيرٍ من الأبحاثِ والمقالاتِ والدراساتِ العلميّةِ: الفقهيّةِ والأصوليّةِ، والأخلاقيّةِ والإجتماعيّةِ والتاريخيّةِ، التي نُشِرَت بالعديدِ من الصحفِ والمجلّاتِ والدوريّاتِ، ومنها ما طُبعَ مستقِلّا، كمثلِ:
* الأخطارُ.. وسبلُ الوقايةِ مِنهَا.
* صلح الإمام الحسن 
* الأسرة في مجتمعنا الإسلامي 
* الهجرة إلى الغرب - تعرّب بعد الهجرة 
* إثبات الهلال 
* إنسانية الإنسان: مَن يصنعها وكيف 
* أدبيات وأسس النقد والحوار 











السيد نجيب خلف العاملي مع نجله