الفلاح والفلاحة - من كتاب (الوضع الحاضر في جبل عامل) للشيخ محمد جواد مغنية


يبكر الفلاح إلى عمله و تبكر زوجته إلى أشغالها البيتية. و أول ما تبدأ به كنس الأوراث و القصالة فتجمعها و تحملها على رأسها لتلقي بها خارج القرية و بالقرب منها تضعها في مكان خاص حتى إذا جاء فصل الخريف نقلتها مرة ثانية على أتان أو على رأسها إلى شجر التين و الزيتون و الكرمة. فإذا انتهت من عملية (الجلاء) غسلت يديها و باشرت بإعداد الطعام و متى فرغت منه أخذت أرغفة و إداماً و كوزاً من الماء و أسرعت إلى زوجها ، فيشرع هو بالطعام و تأخذ هي بالحديث تخبره عما حصل في القرية بعده و ما سمعت و رأت من شجار وقع بين اثنين أو لحام ذبح عنزاً أو عجلاً ، أو كاسب جاء يبيع الفخار أو الملابس أو الفاكهة و الخضار ، هذا وهو مصغ لحديثها بجميع حواسه مسروراً مغتبطاً كأنه يكشف سرأ من أسرار الطبيعة. و يحدثها هو عمن مر عليه و رآه ، وعن سهولة الأرض و صعوبتها ، وكيف لاقى و بقره العناء ، و ماذا بقي معه من البذر ، و متى ينتهي عن قطعته هذه ، وكم يرجو أن يكون نصيبه منها. و متى عاد مساء إلى بيته أعاد عليها و أعادت عليه يتبادلان الأفكار و الشعور فينفذ إلى أعماق نفسها و تنفذ إلى أعماق نفسه فتحس و تشعر بما يحس و يشعر و بالعكس لا يفوتها شيء مما عنده و لا يفوته شيء مما عندها. فإذا انتهى موسم الزرع و جاء الصيف بأوصابه و أتعابه حمل منجله للحصاد و شمرت هي تلتقط خلفه ما يفوته من السنابل و هي معه على البيدر و هو معها في خيمة التبن و في كل زمان و مكان : في الليل و النهار في اليقضة و النوم في لحاف واحد على فراش واحد ، و قد يتبادلان الملابس فتبلس ثوبه و (سترته) و يلبس قميصها و يحتزم بخمارها.