في ردّ الاعتبار الى الحمير: رافقت الأنبياء.. والشعراء - حسن السيد محمد ترحيني

ضلّ صديقي الجادّة، فعرّج على صفحتي الفيسبوكية وقرأ بيتين من الشعر للأديب سلام الراسي:
شنهق حماري وثار … من كلمتين صغار
صدّق حكي الأستاذ … مأكّد حماري حمار
فسجّل اعتراضه برسالة ومضى. فوجدتُ من المناسب وضع ورقة تكون كسراج المستنير في رد الإعتبار إلى الحمير.
هو الحمار ابن الأتان، صغيره الجحش والكرّ والتولب يقال له. (الجميل) و(العفير) وكنيته أبو صابر وأبو زياد وأبو العفاء، وللحمارة يقال أم جحش وأم تولب وأم وهب، منه الوحشي ومنه الأليف، ومن الأليف الأبيض والرمادي والأسود والبنيّ الأحمر.
ذكره الباري في كتابه العزيز وعطفه على البغال والخيول لتركبوها، وأنكر عليه صوته، وشبّه بمثله ولم يشبّه به، وكان من الآيات الدالة على البعث والجزاء فأماته مع صاحبه ثم أحياه بعد مئة عام، وكان من أصناف ضرب مثل الجماعة بواحد.
وكان الحمار مركوب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، ومن جلده فصّل النبي موسى نعليه اللتين خلعهما في الوادي المقدّس، ودخل السيد المسيح إلى أورشليم راكبا على حمارة.
وقد أخرج النسائي أن الحمار ينهق إذا رأى شيطانا، وجعل الإمام البخاري لصلاة التطوّع من على الحمار بابا فقهيا وروى لذلك حديثا، كما روى أن من رفع رأسه قبل إمام الجماعة يُخشى عليه من أن يُصبح رأسه رأس حمار.
وظلّ شأن الحمير في ارتفاع، فهو رفيق البراري وعابر الطرق المستوعرة، لا يضلّ طريق بيت صاحبه أبدا، يأخد من الطرق أسهلها وأيسرها حتى قيل (السهولة للحمار). وعندما أعيا بعض المهندسين شقّ طريق بين قرى جبل عامل، استعان بحمار وسار خلفه راسما له الدرب. ومن سهولته ما رواه (كشاجم) الشاعر في كتابه (المصايد والمطارد) بأن الحمار إذا شمّ ريح الأسد رمى بنفسه عليه، وعدّ ذلك من صنف انجذاب المأكولات للآكلات.
وقال عنه ابن منظور في لسان العرب، أنه حيوان أهلي شديد الصبر على الكدّ. ومدحه آغا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة فنقل بأن الحمار يعرف ما هو مقدور له وما هو غير مقدور، فإذا وقف على جدول صغير يطفر عليه بغير توانٍ وإذا عُرض عليه النهر الكبير فلا يجوزه مهما عُنّف.
ورُوي أن أبا ذر كان يسقي حماره بنفسه، وتكنّى أحد الخارجين على النبي بعد وفاته بأبي حمار العنسي خرج مع مسيلمة الكذاب بعد انتقال النبي للرفيق الأعلى. ومن الصّحابة أيضا (حمار الدار) واسمه جارية وكان من أصحاب مسجد ضرار وابنه زيد بن جارية شهد صفين مع الإمام. ومن الخلفاءمروان بن محمد الحمار آخر حكّام بني أمية. ومن المصنفين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الثقفي الكاتب المعروف ب (حمار العزير) ذكره آغا بزرك في الذريعة وذكر له مؤلفات.

هذا وارتبطت صورة إله الخمر عند الإغريق وإله الصحراء عند الفراعنة بصورة الحمار، وقدّسه الرومان القدماء، وأقامت له بعض الدول عيدا سنويا في السادس من أكتوبر (تشرين الأول).
وغزا الحمار عالم السياسة الإقليمية بل والعالمية، فعثرنا في العراق على (حزب أبي صابر) وفي أمريكا اتّخذ الديموقراطيون من الحمار شعارا لحملاتهم الإنتخابية.
واستشكل بعض الفقهاء بأكل لحمه وجوّزه جمهور علماء جماعتنا على كراهة شديدة. وكان الشهيد الثاني العاملي لا يتورّع عن نقل حطبه على حماره، وكذلك معاصره وأستاذه المحقق الميسي الذي كان ينقل الحطب له ولعياله وطلابه على حمارته. وفي مقالة له في جريدة السفير، حدّثنا السيد هاني مصطفى فحص عن حمارة المرجع السيد أبو الحسن الأصفهاني التي أخذ الناس يتبرّكون بها ويحبونها لحبهم مرجعهم.
وقد تغزّل الشعراء بالعيون الجميلة وشبّهوها بعيون صغير الحمار، وفي الأدب يقال للمتساوين في الرداءة (كأسنان الحمار) وللمتساوين في الخير (كأسنان المشط)، ومن هذا القبيل قول الشاعر:
سواء كأسنان الحمار فلا ترى … لذي شيبة منهم على ناشئ فضلُ
ولجُحا وحماره حِكم ومواعظ أشهر من أن تذكر، وكذلك لشهزارد في لياليها الألف وقصصها ليلة للحمار، وأقدم ما وصلنا من الروايات الرومانية رواية (الحمار الذهبي) لأبوليه. ومن المواعظ كتاب (منطق الحمار) يحوي 19 فصلا مجهول المؤلف. ومن الروايات المصرية واحدة لمحمد حسن الجمل أسماها (خواطر حمار)، ترجمت للفارسية تحت عنوان (الحمارية). ومثلها رواية لتوفيق الحكيم أطلقها بعنوان (حماري قال لي). وللشاعر عبد الجليل وهبي العاملي قصيدة الحمار طويلة.
وفي قريتي (عبا)، أدركتُ في بدايات وعيي جمعية باسم (جمعية الحمير)، ضمّت رهطا من الظرفاء، رحم الله الماضين منهم. كما ورأيت سباقا أو أكثر للحمير في البلدة وسمعت عن مثيلاتها في غير قرية. وعندما أصدر الفاضل الأستاذ خليل ترحيني (أبو بشار) مجلته البلدية (العرايس)، كان يوكل أمر توزيعها لفتى من القرية يقوم بمهامه من على ظهر حمار أبيض مائل للرمادي.
وكان للحمير في جبل عامل، أسواقٌ وتجّارٌ وخبراء، ذكر الأستاذ سعيد الصباح في طرائفه النبطانية شيئا من أخبارهم وظرفهم ومنهم أبو منيف صاحب العنقبيات من النبطية. ونسب العامليون الحمار الأصلي إلى جزيرة قبرص فيقال للأصيل من الحمير قبرصي. وشتاءً تُعلف الحمير بالشعير غير المغربل، لأن المغربل للجياد، أما في أيام الصحو صيفا وربيعا فما تيسّر من الحشائش وبقايا الفاكهة والخضار.
وقد أُحيل للسيد حسن محسن الأمين – عندما كان قاضيا في النبطية – قضية عويصة، حيث ضبَط الدرك في منطقة النبطية فلاحا عدشيتيا هرما ذا أطمار بالية يستعمل حماره للحراثة جنبا إلى جنب مع بقرة، فقبض عليه العسكر وأوثقوه وجرّوه للمحاكمة أمام القاضي. وكان العُرف أن لا تُحرث الأرض على الحمير وعُدّ ذلك من أصناف عدم الرفق بها، لكنّ السيد الأمين برّأ ساحة المتّهم وأطلقه وعللّ حكمه وأغلق المحضر.
ورأى السيد جعفر الأمين، أنّ الحمار يعتبر رأسماليا بالنظر لضخامة غرموله، أما الجمل فيعتبر في عالم الغراميل بروليتاريا. فكبر متاع الحمار لا يتناسب مع صغر حجم جسمه مقارنة بصغر متاع الجمل وضخامة جسده.

وينقل العلامة الشيخ محمد تقي الفقيه في كتابه حجر وطين أنه لما ماتت حمارة (محمود حداثا) الشاعر المشهور أقام لها مناحة في سوق جويا وانشأ يقول:
يوم اسبوعك يا غبرا ---- ما ظل ولا مخبيّي
وعندما مات حمار أحد الأدباء، أرسل له صديقه أبياتا لتخليد المناسبة:
مات حمار الأديب فقـلت لـهـم مضى وقد فات فيه ما فاتا
مَن مات في عزّه استراح ومن خلّف مثل الأديب ما ماتا
ومن طرائف اللغة الفارسية أنّ الحمار يُسمّى (خرّ)، فقرأ أحدهم بمحضر السيد محسن الأمين الآية (وخرّ موسى صعقا)، وكان بين الحضور فارسيا فاعترض وقال (الخرّ) لعيسى – يعني الحمار- وعندما قُرئ على مسامعه آية (وعصا آدم ربّه) قال العصا لموسى وليست لآدم!!
وأراد الشاه سليمان الصفوي إحراج الحرّ العاملي صاحب الوسائل، فقال له (فرق ميان حرّ وخرّ جقدر آست) يعني ما الفرق بين حرّ وخرّ ، فأجابه العاملي: (يك مسند يك)، أي نقطة واحدة، وكان بينهما مسند واحد والكلمة بالفارسية تحمل المعنيين. فتعجّب الشاه من سرعة جوابه وجرأته.
وأكثَرَ الفصحاءُ من ضرب الأمثال بالحمار، فقيل (لا يبالي البيطار بما قُطع من جلد الحمار)، وهذا من الظلم وعدم الرفق. ومن الإجحاف ما كان يفعله أسلافنا من معاقبة المذنب بحمله مقلوبا على حمارة وخلفه النقّارة، وهذا الفعل يعود بجذوره لليهود الذين كانوا يحدّون الزاني بصبغ وجهه بالسواد وجلده 100 جلدة وإركابه مقلوبا على حمار. ومن هذا الصنف ما يُنقل من تعليق صورة الحمار بأعناق التلامذة المقصّرين في الكتاتيب.
وأما في الأمثال الشعبية والمحكيّات العاملية، فقد شُبّهت علاقات البشر بحكّ الجّحاش فقيل (الدنيا حكّ جحاش، حكّلي تحكّلك)، وقيل للقوم السائرين بلا تدبير (زمرة حمير لا كبير ولا مشير)، وقيل في سبب الطاعة وسرّها (لولا الرسن والعصا، كان الحمار أول من عصا)، وإذا ضاق الدار بكثرة الأبناء عُيّر رب الأسرة بالقول (الخان ضيّق والحمار لبّاط).
ولم تسلم الحمير من الطبقية والتمييز، فاعتُبرت أقل شأنا من الجياد والخيول، فقد ورد من هذا القبيل: (إذا زمانك جار لا تداكش فرسك بحمار) و (إربط حصانك حد الحمار بيصير بيناتهن عداوة كار) و (بيركب جحش ألوق -أعوج- وبيطلع مع الخيالة). وترفّع الأمراء عن ركوب الحمير ورعايتها وهذا مضمون ما نُقل على لسانهم (أنا مير وانت مير ومين بدو يرعى الحمير) تعريضا بالعوام.
والحمير (أقل الدواب مونة وأكثرها معونة) وقد ارتبط سعرها بسعر الشعير (فإذا ارتفع سعر الشعير بيهبط سعر الحمير) ولمّا (بيشبع الحمار بيبعزق عليقو). ومن النصائح أن (لا تشتري حمارة وأمها بالحارة) تعريضا ببني البشر الإناث، ومن المداراة (إربط الحمار مطرح ما بيقول صاحبو)، ومن التشابيه أن يقال للشره (بياكل الحمار وبيتحلّى بجلالو) ومنها أيضا أن يقال للولد الشقي (متل حمار المطران عاقل شيطان)، ومن هذا الصنف ما يوصف به الحيران (متل الحمار المضيّع عليقو)، ويُنعت الغبي ب(حمار بأربع ذينين) وللشبِق يقال (متل حمير لحجارة بتموت وشهوتها بظهرها) وعن الوعود العرقوبية (عيش يا كديش تيطلع الحشيش).
وفي أوصاف الدابة قال المثل (الدابة وجهها أسود) و (فشك الحمير ما بيجي إلا بالعرض) و (الحمار بيعرف الحمارة من ريحتها) وحمار السقّا (بيجوع بيشرب وبيعطش بيشرب).
وفرّق العامليون بين أن يعدو الحمار جذلانا مسرورا أو أن يعدو غاضبا ساخطا فقالوا للأول (برطع) وللثاني (سرطع)، كما فرّقوا بين نهيق الحمار وشهيقه (اربط الحمار عند رفيقو، إن ما تعلّم من شهيقو بيتعلّم من نهيقو).
ومما يدلّ على وفرة الخير والكرم تباهي العامليين بإشباع حميرهم، ف(بعد حمارتي ما ينبت حشيش) و(كلي يا حمارتي والعليق عَ السدة) و(بآذار اطعم جزرك للحمار) وأما البطيخ ف(بيسلّي وبيحلّي وبيعشّي الحمار).
ولم يرد واضعو الأمثال أن يعتب طبيب على حمار أو حمار على طبيب فخصّوه بمثل (بيتعلّم البيطرة بالحمير اللوق)، ومالوا على دور العبادة ليصفوا صاحب القدرات الخارقة أنه (بيطيلع الحمار على الميذنة). وإذا صادف أحدكم حمارا في عرس قروي (فإمّا لزقّ الحطب أو للتلاية – نقل المياه).
هذا وأثناء الكتابة فلتت بعض الأمثال من عقال مواضيعها، فأثبتها هنا مكتفيا بذكرها دون تعليق:
- الحمارة حمارتي وبدي أركب ع ذينيها- الجواب في محلة بيسوى كديش- هذا عليقك يا جحش- ما في حمار مات وأخذ جلالو معو- اللي بياكل حمير العرب بينزل تحت القرب- مزاعرة (كذا) لحمير من حسنة الركاب- اللي مع الجحش بدندلو- إن أقبلت باض الحمام على الوتد أو أدبرت شخّ الحمار على الأسد- الحمارة بتشرب والحبل بينتفخ- حتى يبيض الحمار نجاص- ابن العشيرة ان عمل حالو حمار أوعا تركبو
مصادر ومراجع:تفسير السعدي – مختصر تفسير ابن كثير – صحيح البخاري – أعيان الشيعة – الذريعة – حل وترحال– طرائف نبطانية – الأمثال العامية في جبل عامل – حجر وطين – حيص بيص – في الزوايا خبايا –الناس بالناس- حكي قرايا وحكي وسرايا- بحث في الموسوعات والمواقع الالكترونية.
ملاحظة: تم نشرها قبل ذلك على موقع جنوبية على الرابط التالي: http://janoubia.com/138457 
حسن السيد محمد حسن ترحيني -  مهندس ومتابع للأدب والتاريخ العاملي