أما عن صيدا فيقول : " ثم توجّهنا إلى مدينة صيدا، وهي على شاطئ البحر أيضا، يُزرع بها قصب السكر بوفرة. وبها قلعة حجرية محكمة ولها ثلاث بوابات. وفيها مسجد جمعة جميل يبعث في النفس هيبة تامة، وقد فُرش كله بالحصير المنقوش. وفي صيدا سوق جميل نظيف وقد ظننتُ حين رأيته أنه زُيّن خاصة لمقدم السلطان .. فقيل لي هكذا عادة اهل هذه المدينة دائما . وفيها حدائق واشجار منسّقة حتى لتقول أن سلطانا هاويا غرسها. وفي كل من هذه الحدائق كشك واغلب شجرها مثمر"
وعندما وصل لمدينة صور قادما من صيدا كتب في وصفها : " وبعد مسيرة 5 فراسخ على شاطئ البحر بلغنا مدينة صور، وهي ساحلية أيضا، وقد بُبنيت على صخيرة اتدّت في الماء بحيث أن الجزء الواقع على اليابس من قلعتها لا يزيد على مائة ذراع والباقي في الماء. والقلعة مبنيّنة بالحجر المنحوت الذي سدّت فجواته بالقار (الزفت) حتى لا يدخل الماء من خلاله. وقد قدّرت المدينة بألف ذراع مربّع. وأربطتها من خمس أو ست طبقات وكلها متلاصقة. وفي كثير منها نافورات . واسواقها جميلة وكثيرة الخيرات. وتُعرف مدينة صور بين مدن ساحل الشام بالثراء، ومعظم سكانها شيعة . والقاضي هناك رجل سنّي اسمه ابن أبي عقيل وهو طيّب وثري. ... وصور مشيّدة على مرتفع وتأتيها المياه من الجبل.... "
جبل عامل في القرن الخامس الهجري - وصف الرحالة ناصر خسرو
خرج ناصر خسرو برحلة هدفها البحث عن الحقيقة الدينية، فانطلق من مدينة مرو في إيران وصولا إلى القاهرة التي كانت مركز الدولة الفاطمية وذلك في عام 437 هـ (1046 م). وقد اعتنق بعد رحلته الدعوة الفاطمية (الإسماعيلية) واصبح من دعاة هذا المذهب.
وأثناء رحلته مرّ ناصر خسرو على كثير من الحواضر الإسلامية ووصفها دون تحيّز.
وما يهمنا من رحلته وصفه لحواضر ساحل الشام ، فقد تكلم عن طرابلس، وجبيل وبيروت وصيدا وصور :
قال في وصف طرابلس : " ومن حلب إلى طرابلس أربعون فرسخا ... وكان بلوغنا إياها في يوم السبت 5 شعبان، وحول المدينة المزارع والبساتين وكثير من قصب السكر وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والتمر. وكان عسل السكر يُجمع حينذاك . ومدينة طرابلس مشيّدة بحيث تكون ثلاثة من جوانبها مطلة على البحر ... واما الجانب المطل على اليابس فبه خندق عظيم وعليه باب حديدي محكم..... وسكان طرابلس كلهم شيعة . وقد شيّد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد وهناك بيوت على مثال الأربطة. ...."