لمن الوليمة في مدينة صور؟ شعر عبد الحسين العبد الله

 واجهت القوات الفرنسية معارضة عند دخولها إلى جبل عامل من الأعيان والوجهاء والعلماء، ثم تطور الأمر فعقد الاعيان مؤتمرا في وادي الحجير، ثم تصاعدت الأعمال الرافضة للجيش الفرنسي في جنوب لبنان، وانتهت الأمور بالطرد والنفي وأحكام الإعدام وفرضت فرنسا غرادتها في لبنان كافة.
 وبعد فترة جرت المصالحة فعاد الأعيان والعلماء والوجهاء والزعماء إلى الجنوب ، وأصدرت فرنسا عفوا عن غالبهم، بل توطدت الصداقة بينهم وبين الفرنسي، ونال الغالب منهم مناصب له أو لأولاده في المنظومة الجديدة، وأقيمت الولائم على شرف الحاكم الفرنسي في الجنوب. 
ففي مدينة صور التي جاءها الحاكم العسكري ، أولم الوجهاء له وليمة على شاطئ البحر، ويبدو ان الجو كان مناسبا فطلب الحاكم الفرنسي ان يحتسي (الشراب) فكان له ما أراد ...،  فاستفزّ الحادث الشاعر عبد الحسين العبد الله فكتب قائلا: 

لمن الوليمة في مدينة صورِ ؟ 
محفوفة بالزمر والطنبورِ ؟ 

جلس الرجال إلى الموائد وحدة 
فالسيد المفضال جنب الخوري  

والكأس دار على الجميع فلا ترى 
عيناك غير الشاربِ السكّيرِ 

بشراك قد طُوي التعصّب بيننا  
وانحلّ كل معقّد وعسيرِ  

قد كنتُ عندك يوم أسكرُ كافرا
واليوم أنت مشابهي ونظيري 

إشرح لنا ارايت مطعم طانوسٍ ؟ 
واكلت لحم الكافرِ الخنزيرِ ؟ 

وفهمتَ ان الخمر ليس كشاينا  ؟ 
والبطحة الحسناء غير الكوري ؟ 

إشرب هنيئا كل صاحب عمّة 
ما كان مثلك في لظى وسعيرِ 

الكل دونك، أنت قد نجّيتنا  
من ورطة التنجيس والتطهيرِ  

لا شكّ انك نادمٌ عمّا مضى  
مذ كنت ترمي الناس بالتكفيرِ  

فالخمر مثل الشاي عندك قد غدا  
وكذلك الخنوص كالقرقورِ 

لا تعجبنّ فكل شيء قابل
في الكون للتبديل والتغييرِ  

ما أنزل الرحمن نصّا ثانيا 
لكن تبدّل منهج التفسيرِ  

لو تشهد الكيت كات والكأس التي  
تنصبّ بين كواكبٍ وبدورِ  

لتركتَ ناحية المصلّى جانبا 
وزهدتَ بالتهليل والتكبيرِ  

سرْ للأمام ففي ركابك عصبة 
تزري بكلّ معمّم .......

وارمِ العمامة إنها مشؤومة
كم أوقعت أوطاننا بشرورِ 

وادي الحجير ولستُ اذكر يومه 
اخشى فضيحة سرّه المستورِ  

فما هو السرّ المستور الذي لم يبح به الشاعر  ؟ 
-----------------------------------------------

اولا مداخلة السيد محمد شرف الدين: 
تعليقا على ماقيل عن الوليمة في مدينة صور للشاعر العاملي المرحوم عبد الحسين عبد الله وما تضمنته من دس ومحاولة التحريف والتزوير وما بحكمهما تبقى لغوا، ولا بد لذلك اللغو من ان يترك الأثر الفاعل على مصداقية الشاعر وامانة القصيدة وان يثقل كتفه بكل ما ابتدع من خيال وحملها من وقائع متصورة وصورا لا تنتسب لواقع ولا لرائحة صدق، مما حدا بالشاعر نفسه أن يقول القول الفصل عندما اتى للسيد عبد الحسين شرف الدين تائبا، نادما ومعتذرا، مريحا ضميره لما طال السيد من الظلم والكذب والافتراء، تاليا فعل الندم والتوبة قائلا:
أتيتك يوماً عندما تبت نادماً
فحييتني طلقا محياك باسما
تعف عن الجاني يضل طريقه
وترحم مغدوراً و تعذر آثما
سجايا الكرام الغر وآل هاشم
فلا يصحبون الناس إلاّأكارما
حنوت على تلك اليمين لثمتها
و ألقيت عني ما حملت مأثما
بني هاشم فخر العروبة أنتم
ذراها صنعتم مجدها و الملاحما
ففي كل ميدان تركتم ضحية
تظل لها الدنيا تعجُّ مآثما
حملت لك الإخلاص من قلب عامل
يرف ازاهيراً و يهفو نسائما
بلاد لهذا البيت تاقت نفوسها
وشدت على حب الحسين العمائما

ثانيا مداخلة الباحث الدكتور حسن دياب : 

حول هذه الوليمة المذكورة .... أعلاه للشاعر عبد الحسين عبدالله، وتبياناً للحقيقة نوضح ما يلي:
الزيارة كانت بتاريخ 19 آب 1942، قام بها" المندوب المسيو دافيد " موفداً من قبل الجنرال كاترو للسيد عبد الحسين شرف الدين رداً على زيارة قام بها هذا الأخير. وكان يرافقه المستشار الإداري مسيو برونيه والكولونيل أرنو قائد موقع الجنوب والقومندان سوفاجيه وبعض معاونيه من الضباط.....
"اخترقت سيارته الشارع العام في صور الذي كان مزداناً بالأعلام اللبنانية والإفرنسية، وعند وصوله إلى بيت السيد شرف الدين استقبله مع المدعوين من وجهاء الطوائف، ورحب به السيد بإسم جبل عامل، وتبعه أحمد بك الأسعد فأيد كل ما قاله سيادته مرحباً أيضاً بزيارة الوفد الفرنسي، ثم تلاه قائمقام صور بكلمة ترحيبية ايضاً ، ثم قام السيد صدر الدين نجل السيد عبد الحسين شرف الدين وألقى خطاباً ترحيبياً مطولاً بإسم والده ، ومطالباً بحقوق جبل عامل المهدورة، وأخيراً رد المندوب دافيد على سيادته وعلى جميع الخطباء بكلمة شكر على الحفاوة التي لقيها في هذه الزيارة.. وبعدها نهض الجميع لتناول طعام الغذاء، فكانت الوليمة على جانب كبير من الأبهة والإتقان.. وكان عدد المدعوين يزيد على ستين شخصاً من وجهاء مختلف الطوائف في مدينة صور والمنطقة، ومن بينهم: أحمد بك الأسعد ويوسف بك الزين وبهيج بك الفضل وغيرهم... وألقى خلالها الدكتور سامي أبو خليل خطاباً بالإفرنسية...
ولدى الإنتهاء من الغذاء ودع سعادته ومرافقوه الحضور وعادوا إلى بيروت".... ...
أما بخصوص وضع الكحول على المائدة، فأنا قمت بواجبي للتحقق من هذا الأمر منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ، وتبين لي بعدما أجريت مقابلات عدة مع كبار السن في صور ومن عائلات مختلفة حيث أجمعوا بأن هذا الحديث مختلق تماماً ولا صحة له على الإطلاق...
حتى أن الشاعر عبد الحسين عبدالله زار السيد عبد الحسين شرف الدين في صور معتذراً عن نظم هذه القصيدة حسبما جاء على لسان العديد من الشخصيات التي قابلتها...
وهذه الوثيقة التاريخية محفوظة في مكتبتي الخاصة وهي صادرة وموقعة من قائمقام صور... ولكنها غير واضحة لتصويرها ونقلها... وتبياناً للحقيقة كانت هذه المداخلة...
أما حول ديوان الشاعر عبد الحسين عبدالله وقصيدة الوليمة التي تحدثنا عنها ...، وهي مؤلفة من تسعة عشر بيتاً من الشعر اللاذع، وعلى طريقة الشاعر وأسلوبه الخاص الذي تميز به من خلال معظم قصائده.
وأنا أتصفح هذا الديوان الذي لا يخلو من الفكاهة والمديح والذم والهجاء، وأحياناً النقد اللاذع، وقصائد الرثاء في مناسبات ذكرى الأموات ، استرعت انتباهي مقدمة الديوان تحت عنوان " رأي في الشاعر "للكاتب والأديب صدر الدين شرف الدين إبن العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين . يقول فيها: " عبد الحسين عبدالله يعرفه العامليون، ويعرفون أنه مرآة صادقة الإنعكاس للمجتمع العاملي، فهو فيها حي الحركة، واضح الملامح، مشخص الخصائص.....
سيأتي يوم يحمل فيه عبد الحسين هؤلاء الذين يمنون عليه أنهم يحملونه الآن، فسيموت هؤلاء ويظل عبد الحسين حياً إلى زمن طويل، ولن يحيي أحدهم إلا إذا وهبه عبد الحسين بعض الحياة من حبه وكرهه على السواء، ومن نقده ومدحه جميعاً ، فالأدب آلة الخلود.... "
وهذا ما يؤكد أن علاقة الشاعر عبد الحسين عبدالله بآل شرف الدين قد تحسنت كثيراً بعد إعتذاره من سماحة السيد عن قصيدته " الوليمة "، وهذا ما أشرنا إليه سابقاً...
هذا النص مقتطف بحرفيته للسيد صدر الدين شرف الدين ص 3 من الديوان...

المداخلة الثالثة، منقولة شفهيا عن أحد افراد الأسرة : 
ثم إن السيد محمد جواد شرف الدين ابنه البكر للسيد عبد الحسين، وصار مفتياً لصور، التقى بالشاعر في النبطية، فضربه كفاً على خده، وصل الخبر لآل عبد الله في الخيام، فتوجهت بوسطة، وقيل أكثر، من الخيام للنبطية، فأخذ آل صادق السيد محمد جواد إلى كفررمان لبيت يوسف بك الزين.. وهناك اقتحم أهل الخيام منزل البيك وتضاربوا مع الموجودين فيه. منقول شفهياً من أحد أفراد الأسرة.