الأمة الجديدة 1917 : إلحاق جزء من جبل عامل حتى شمال صور بفلسطين - د. أحمد هارون

 كتب الدكتور أحمد هارون : 
الجغرافيا الإدارية لجبل عامل موضع تجاذب دولي ، مشروع يهودي لإلحاق قسم من الجبل حتى "صور" بــ"فلسطين"

لطالما كان جبل عامل على مرّ التاريخ وبحسب الظرف الجيوسياسي، جزءا من أيالة او ولاية او سنجق. ليس آخرا في زمن السلطنة العثمانية، حيث كان تابعا لأيالة صيدا أو إيالة عكا 1660 - 1888. والأيالة هذه كانت تضم منطقة جنوب الساحل السوري من كسروان شمالا إلى الحدود المصرية جنوبا. وكانت تحدها إيالة طرابلس الشام من الشمال وإيالة دمشق من الشرق. ثم ولاية بيروت 1888 - 1920 وكانت تضم المنطقة الساحلية من سوريا الممتدة من اللاذقية حتى شمال يافا ومن ضمنها متصرفية جبل لبنان. وكانت تحدها من الشرق كل من ولايتي حلب ودمشق.
مع نهايات التشكيل الإداري لولاية بيروت، بفعل تفكك السلطنة العثمانية، نشرت صحيفة (The New - York Tribune - نيويورك تريبيون 1841 - 1924) في عددها الصادر يوم الأحد 17 حزيران 1917، مقالا بعنوان :
"The Birth of New Nation : Palestine - ولادة امة جديدة: فلسطين"
للكاتب والصحفي اليهودي إسحاق دون ليفين 1892 - 1981، وارفقت المقالة (بخريطة - وثيقة)، عبارة عن مشروع تشكيل جديد لجغرافيا المنطقة العربية. تضمنت الخريطة، اجزاء من : سوريا، لبنان، الجزيرة العربية ومصر دون تعين خطوط الحدود بينهم، وفلسطين في الوسط بحدود تمتد شمالا، لتصل الى نقطة وسط، بين صور وصيدا.
خلاصة ما جاء في المقال : ان ليفين، بشّر بمرحلة جديدة تلوح في الأفق ستمرّ بها المسألة اليهودية، التي يرجع تاريخها إلى ما يقرب من الفي عام، على نحو، أن نهاية الحرب العالمية الأولى ستوفر الوقت المناسب لإنشاء دولة يهودية. دولة كان مقررا لها، ان تقتطع جزءا هاما من جبل عامل وضمّه الى الدولة المزعومة. لكن التجاذب الدولى حول المنطقة انهى المشروع - الحلم. وهكذا بقيت صور وجنوبها جزءا من لبنان. ذلك أن الدولة الوليدة "لبنان الكبير"، التي تم إنشاؤها بعد عام 1917 تظهرت نتيجة تجاذب دولي ومحلي.
عندما ذهب الوفد اللبناني الى فرنسا للاتفاق على حدود لبنان مع رئيس الحكومة الفرنسية جورج كليمنصو، طالب البعض بان تكون (الحدود) تبدا مع مصب نهر القاسمية، لكن البطريرك انطوان عريضة المشارك بالوفد، طالب بان تشمل الحدود جنوب نهر القاسمية، اي مدينة صور. وكان اصراره على صور وبحسب ريمون اده، هو وجود قطعة ارض كبيرة، ملك ابن اخيه في البقبوق (شاطئ - محمية تابع لبلدة العباسية الواقعة عند مدخل مدينة صور). الانجليز ومن خلفهم الصهاينة كانت عيونهم على جنوب الليطاني وقد حصل تسوية فرنسية انكليزية، تنازل بموجبها الفرنسي عن منطقة اصبع الجليل- سهل الحولة، لصالح بقاء جنوب الليطاني ضمن دولة لبنان الكبير.
خلاصة : في العام 1917 احتل البريطانيون فلسطين. وزير خارجيتهم آنذاك آرثر بلفور يصدر وعده الشهير. بدوره مجلس إدارة متصرفية جبل لبنان، يرفع عريضة رسمية الى مؤتمر الصلح بواسطة الحكومة الفرنسية، يطالب فيها بالإستقلال وتوسيع رقعة الجبل، ليضم جزءا كبيرا من الساحل، بالإضافة الى سهل البقاع. مواقف البطريرك الماروني الياس الحويك اتت لتتوّج جملة مواقف. طالب بصيغة حكم ذاتي، لا بل استقلال تام تجاه كل ولاية عربية قد تقام في سوريا. بنتيجة التجاذب الدولي والمحلي كانت الغلبة للفرنسيين، كانت نظرتهم مختلفة راعت من جهة مصالحهم الإستثمارية في المنطقة، والواقع الإقتصادي للجبل من جهة اخرى. قُبيل الحرب العالمية الاولى، سبق ان طرحت القضية الزراعية نفسها في المتصرفية بحدّة. سأل الفرنسيون، هل كان بمقدور شعب يفوق تعداده 400 الف نسمة العيش على رقعة مزروعة لا تتعدى نسبتها 3.8% في ذلك الجبل القاحل؟. وهل كان ذلك الإستقلال قائما اقتصاديا وسياسيا ام مجرد مظهر شكلي ليس إلا ؟. ولأن الفرنسيين لا يخططون لمصالح طائفية مسيحية، بل لمصالحهم هم بالذات، لم يسعوا من خلال مؤتمر الصلح، الى إيجاد اغلبية مسيحية مقابل اقلية اسلامية بقدر ما سعوا الى ايجاد دولة بحدودها الحالية متوازنة طائفيا تصلح منطلقا لرساميلهم نحو الداخل العربي- الإسلامي.