خريطة القرى العاملية المقتطعة بعد العام 1923

كتب الدكتور أحمد هارون :
"مع هذه البدايات، راح الصهاينة وفقا لما خطط له مؤتمر بال، ينظمون هجرات واسعة للشتات اليهودي إلى فلسطين. وعند وصولهم إليها، كانوا ينضوون في منظمات إرهابية، تستعمل كأداة، في سياق طرد الفلسطينيين منها لتأسيس الدولة.
في ظل التطورات المتسارعة جدا على الساحة الفلسطينية، بدأت تتضح معالم النزعة الصهيونية العميقة، للإستيلا على أراضي في الجنوب اللبناني تبعا لعوامل جيو استراتيجية.
وبدأ الصهاينة، يستولون على أراضي واسعة من ممتلكات اللبنانيين، داخل فلسطين والجنوب اللبناني في سهل الخيام والمطلة والمنارة تارة بالإغراءات المالية، واخرى بالاحتيال والتزوير والإرهاب والعنف إذا لزم الأمر. وتعرض المقتلعون من أملاكهم لكافة أنواع العنف، ليس من قبل الصهاينة فحسب، بل أن القوات البريطانية شاركت في طرد الفلاحين ونسف القرى التي عادت المؤسسات الصهيونية وأقامت على أنقاضها عشرات المستوطنات. على سبيل المثال : نذكر، أن عددا من اللبنانيين الملاّكين داخل فلسطين رفعوا الى حكومة الإنتداب البريطاني، دعاوى يشتكون فيها أن اليهود وسماسرتهم يستولون على أراضيهم بشكل غير قانوني وبالقوة وكان من بينهم ثلاثة مشتكين اتهموا شمعون الفاغور أحد سماسرة الصهاينة بأنه قد سرق منهم قطعة أرض مساحتها 700 دونم تقع في المنصورة كما اشتكى المزارعون في إبل القمح أن أراضيهم قد سرقت.
ومن بين الأساليب الأخرى التي اعتمدها الصهاينة، السطو المسلح الذي مارسته عصاباتهم على المزروعات لإتلاف المحاصيل واقتلاع الأشجار أو إحراقها وهذا ما فعلوه مع عائلة فرنسيس من بلدة القليعة التي كانت تملك في "دفنة" حوالي 5700 دونم من الأراضي إكرهت على التخلي عنها فضلا عن مهاجمتهم المنازل والممتلكات اللبنانية في أراضي الحولة. ولم يكن أهالي قرية الديوار (كيبوتس أمير) في ما بعد، ليشكلوا استثناء عن باقي القرى اللبنانية في أرض الحولة. فقد رفعوا 32 دعوى مستقلة إلى سلطات الانتداب البريطاني والفرنسي يطالبون فيها بحماية أراضيهم البالغة مساحتها 1428 دونما استولى عليها الصندوق القومي اليهودي كما استولى على 2345 دونما أصبحت لاحقا، (كيبوتس دان وموشان شعار ياشوف) كانت ملكيته أصلا تعود إلى 15 ملاك لبناني يعيش ورثتهم في بيروت، كذلك كان يملك آل شهاب 2000 دونم في قريتي اللزازة والنعمة. كل هذا، كان يدور في فلك تآمر الصهاينة مع دولتي الانتداب الفرنسي والبريطاني، للحصول على دعمهما، لتسهيل عملية الاستيلاء على الأراضي والمياه، وتقديم الغطاء الدولي لهم، وبالتالي تكون الدولتان قد هيأت كل الفرص، سياسيا وفعليا أمام الصهاينة، لتحقيق أطماعهم، بغية الاستيلاء على أجزاء واسعة من الأراضي، جراء تعديلات على الحدود اللبنانية - الفلسطينية خلافا لأحكام اتفاقية سايكس - بيكو.
ولتوضيح الصورة، نشير إلى أنه عندما جرى تقاسم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا على سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وفق معاهدة سايكس - بيكو عام 1915، وقع مجلس إدارة جبل لبنان على خريطة التقاسم ضمن المنطقة الفرنسية الزرقاء التي اقامت الحدود مع فلسطين على النحو التالي : تبدأ من مصب نهر الزيب شمال عكا على البحر المتوسط غربا لتشمل جميع الأراضي المحاذية لوادي القرن صعودا باتجاه بحيرة طبرية والسفوح الغربية لجبل الشيخ. وقد حفظت هذه الاتفاقية لدولة لبنان الكبير اراضيه بما فيها الأراضي التي تم اقتطاعها لاحقا وضمها إلى فلسطين بعد التنازل عنها للصهاينة.
خلاصة : قبيل وعد (بلفور) للحركة الصهيونية عام 1917، كان بن غوريون وبن زيفي قد اصدرا كتابهما "أرض إسرائيل" الذي اعتبرا فيه، أن متصرفية جبل لبنان، هي الحدود الشمالية للدولة اليهودية. لذلك، بعد إستحصال الصهاينة على (الوعد)، ارتفعت وتيرة مطالبتهم بتعديل اتفاقية سايكس - بيكو من جهة الحدود اللبنانية - الفلسطينية. ولهذه الغاية، نظموا حملات إعلامية وسياسية قدمت الحركة الصهيونية عبرها في شباط 1919 مذكرة إلى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح، تضمنت مطالبتها بتعديل الحدود اللبنانية - الفلسطينية. إلا أن الفرنسيين رفضوها وأصروا على تمسكهم بإبقاء الحدود كما رسمها خط معاهدة سايكس - بيكو. إلا أن الرفض الفرنسي لم يثني الصهاينة، بل صعدوا من محاولاتهم، ونظموا المزيد من الحملات، ودفعوا بالرئيس الأمريكي ويلسون، في أيلول 1919 للتدخل والضغط على الدولتين البريطانية والفرنسية، محذّرا من أن عدم تعديل حدود سايكس - بيكو، يعتبر ضربة قاضية تمنع إقامة الوطن القومي اليهودي لأنها تتنافى مع العناصر الضرورية لطبيعة أرضه، ولأنها تهمل حاجاته الاقتصادية، معتبرا أن (نجاح الصهيونية)، يتوقف على توسيع حدود فلسطين في الشمال والشرق لتشمل نهر الليطاني ومنابع المياه في حرمون.
وفي إطار الانحياز البريطاني إلى جانب الصهاينة، تقدم البريطانيون عام 1919، باقتراح جديد أطلق عليه اقتراح (دوفيل) وفيه مطالبة بأن تكون الحدود الشمالية لفلسطين، من مصب نهر الليطاني في القاسمية على الشاطئ غربا حتى بنياس شرقا. وقد ترافق هذا الموقف مع تصعيد الصهاينة ضغطهم، معلنين بأنهم لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال، خط سايكس - بيكو، لأن حدود فلسطين الطبيعية (التوراتية) في الشمال، تمتد من الصحراء حتى سفوح جبل حرمون، ومحاذاة نهر الليطاني من جهة الشرق. ويكمل قوله : ونرى من الضروري أن يضم حدود فلسطين الشمالي وادي الليطاني إلى مسافة 25 ميلا فوق المنحنى ومنحدرات جبل حرمون الجنوبية لضمان السيطرة على منابع نهر الأردن.
إن هذه الرسالة تبين احتجاج الحركة الصهيونية بلسان زعيمها على الحدود التي رسمها خط سايكس- بيكو عام 1916 باعتبارها لا تتجاوب مع مطامعها التوسعية العدوانية التي ما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور ". انتهى نص الدكتور أحمد هارون