شوقي بزيع الزبقيني العاملي ... وكلام كيّس


الشاعر شوقي بزيع أثبت قدرة على النظم مع حسّ الفكاهة العالية. وهذه القصيدة بعنوان "الكلام الكيّس في بلاط رياض الريّس"، وأبرز ما ورد في القصيدة الأولى التي بدأها بالحديث عن تقدّم العمر وفوات فرصة الزواج:

ذَوَتْ وردةُ الأيـام والرُّوح تَيْبسُ

وأنتَ على صخْر التَّمنّع تجلُـسُ
وحيداً ولا إنسٍ بحمْـراءَ سِنْتـِرٍ

يعزِّيك أو أنثـى عليـْكَ تُبَهْـلِسُ
تُحدّق في قلب الظـلام بطرحَـةٍ

تلـوح وتخبـو ثم يلمـع محْـبَسُ
تجاوزتَ سـِنَّ الأربعيـن بستَّـةٍ

وأشْهَـرتَ أسنـاناً علاها التسَوُّسُ
فحدِّق بِحَسُّـونٍ ومحفـوظُ قـبلَـه

وخاطرُ والصُّحبُ الذين تعنَّسوا(1)
وخذْ عبـرةً منهمْ وقد راحَ بعضُهمْ

يبول على بعضٍ وبعضٌ يُهَلـْوِسُ
ولدتَ ببرج الْجَدي حتى إذا نَمَـتْ

قرونُك في الأعوام رُحْت تُـتَيـِّسُ
كفـاك عناداً فالرّفـاق تسـاقطـوا

معـاً بَواليـن المنـاعة نَـفَّسـوا
وصَحْـبُك لكُّوا صوفةً حول ذيلِهـم

فليس بهـم إلا أصـمٌّ وأخـْـرَسُ
تنادوا إلى قصر الحريريْ(2) جميعُهم

فلمـا أتى صلُّـوا عليـه وملَّسـوا
وهذا إلى قصر المصيلح زاحفٌ(3)

وذاك من الأعْتــاب لا يتَـكنَّـس
وهذا إلى السلطـان يرفـعُ مدْحَـه

وهذا أيـادي الحاكميــن يبَـوّس
وما همَّهمْ فَـقْـرُ العبـاد وجوعُهمْ

وما همَّ مَن يمضي ومَـن يتَـرَأّس
بل الهمُّ أن تبقـى الولائم رحْـبَـةً

ويكثر معْمـولٌ ويحلو مُلـَبَّـس(4)
دع الغمَّ وارحلْ نحو فدم غضَنْـفَرٍ

يُسمّى ريـاضاً والعشيـرة ريِّـس
له دار نشْـر لا يُشُق غبـارهـا

ولا ضمَّ ما تحوي من العلم فهرس
نقـيٌ كأن الثـَّلجَ بعضُ صفـاته

كريمٌ ومَن جـاروا أيـاديه أفْلَسوا
وليس، وقد هامتْ به وردةُ الندى،

يجاريه مَن زكُّوا وضحُّوا وخمَّسوا
ترى الناس أفواجـاً على باب بيْته

فكُـردٌ وأعْرابٌ وفرسٌ وشَركسُ
يسـابقُه غليـونه نحـوَ ضيـْفه

ويحميه من شمس الضغينة بُرْنسُ
وتحنو على أركيـْلة الشِّعر كفُّـه

فيرقص تِنْـباكٌ ويزْهُـو مُدَبَّـس
له دار نشْـر لا يُشُق غبـارهـا

ولا ضمَّ ما تحوي من العلم فهرس
نقـيٌ كأن الثـَّلجَ بعضُ صفـاته

كريمٌ ومَن جـاروا أيـاديه أفْلَسوا
وليس، وقد هامتْ به وردةُ الندى،

يجاريه مَن زكُّوا وضحُّوا وخمَّسوا
ترى الناس أفواجـاً على باب بيْته

فكُـردٌ وأعْرابٌ وفرسٌ وشَركسُ
يسـابقُه غليـونه نحـوَ ضيـْفه

ويحميه من شمس الضغينة بُرْنسُ
يحيط به من آل عبدالله فـارس(5)

شديـدٍ على الأعداء أمْردُ أمْـلس
تراه على الكورنيش يجلس ساهماً

يأصئص بِزْراً إن تعـذَّر تُـرْمسُ
ويجمع ما لا يجمع الْجِـن عقلَـه

فطـَوراً عروبيٌ وطوراً مفَـرْنَسُ
يحدّث حيناً في الشّاوِرْما وأصلِـها

ويبصر عظـمَ الفكـر إذْ يتَكلَّـس
على حذَرٍ يمشي كـأنْ وهو مُقْبِلٌ

يــداه على أقـدامـه تتجـَسَّس
ويبدو عصامُ الفـذُّ كالدّيـك جالساً

إذا صاح في المقهى فلا صوت يَنْبُس
ويأكُـل صحنَي لوبِيـاء بِلُـقْمَـةٍ

ويقطُـرُ مِن فَـكَّيه فـولٌ مُدَمَّـسُ
يُمَشْوِرُ في الحمْـرا ذهـاباً وجيئة

ويشْلـح كالبرق الثِّـياب ويلْبَـس
وأما الغلام الغُرُّ يحيى بْن جابرٍ(6)

فسـاع إلـى أمجـاده مُـتَحَمِّـس
لشِدَّة مـا يهْوى النَّميْـمَـةَ قلـبُـه

ينـمُّ علينـا مثلمــا يتـنَـفَّـس
يؤلِّبُ بعضاً ضِدَّ بعض ويـدّعـي

حيـاداً وللحرب الضَّروس يُؤسِّس
وحدّث عن الحسّون روحــاً فإنه

هزبْرٌ(7)  بحب الغانيات موسْـوَس
إذا خطـرتْ بنـتٌ أمـام عيـونه

يكـزُّ على أسنــانه يتـأمَّــسُ
وإن لاح باضتْ في يديـه دجاجـةُ

المعنى وصيصانُ البلاغة فـقّسـوا
مضى العمر ما حققْتَ مجداً ولا غنىً

وهل يغتَـني الإنسـان وهو مدرِّس
فمـا ترتجي والبنيويـون قد بنـوا

بنايــاتهم والألسنيـُّون يُلَحْـوسوا
لِتَعْـذُرْ يراعي يا ريـاض فإننـي

بما حدَسَتْ نيـران قلبـك أحْـدُس
وراءك أنّـى شئتَ يا خيـرَ ريِّـس

فإن نِمْتَ نِمْنـا أو تثاءبْتَ نَنْـعسُ.




(1)
يقصد الشاعر حسن عبدالله، والشاعر والمسرحي عصام محفوظ والناقد نزيه خاطر الذين تجاوزا الستين ولم يتزوجوا
(2)
قبل استشهاده
(3)
قصر الرئيس نبيه برّي
(4)
نوعان من الحلوى
(5)

يقصد القاص عماد العبدالله
(6)
الشاعر يحيي جابر
(7)
أي أسد ويقصد حسن عبدالله