المقامة الكرشية - من بلاغات الاستاذ أنور نجم من فنّ المقامات وهي قليلة في الأدب العاملي المعاصر:
إعلموا يا رعاكم الله، أن الباري أنعم عليكم نعما كثيرة، وأنزل موائد من الطعام وفيرة، فمنها المطبوخات والمقليات، ومنها المسلوقات والمشويات، ومنها المُسمنات والمُنَحّفات...
يارعاكم الله، فٱنقلوا عني ما يصدر مني،
إن للطعام شرافة ومراتب، وكرامة ومناصب...
وقد أُثقِل عليَّ وأنا اقرأُ بعض الناس، وقد وسوس لهم الخناس، أن طعام الكروش، مضروب ملعون مغشوش...
فشمرتُ عن ساعد الحرف، لأُبعدهم عن الجرف، يوم لا تنفعهم ردتهم عن الكرشة والمصارين، فيبعثون ملومين بالخسارة مُلمّين، وقد أنزلوا منازل فرعون في النار، لأنه لم يأكل الكروش بعتوٍ وإستكبار، فصار حامل ألوية الطغاة، فلعنه الشباب والبنات، ساعة زُحزح عنها في يوم الثبات...
وٱعلموا أن الكرشة والمصارين، هي تبر طعام الأولين، وسفير موائد الاخرين... طعمها يجبر القلوب، ويدفن الذنوب، ويطمس العيوب، ولا توبة لتاركها.. وكيف يتوب!
واعلموا أن الكروش، في الطعام أصل الأصول، وأطيب من الفول، وأشهى من المعمول، ومن الحمص المبلول، وأن الله إذا غضب على أحد حرمه منها، وصرفه عنها، فبها رفع الدرجات، وأجر وحسنات، وهي إكسير اللذاذة، وتنتفي فيها ال لماذا وماذا..
فالكرشة بالرز، مع رشة بالتركي من الطز، والبصلات الناضحة، هي خير الاعمال الواضحة، والباقيات الصالحة...
واما المرق، فيا ويلتاه يا ويلتاه، هو ما صحّ به الأثر، وما أشار اليه الخبر، أن مَن شربه زاد يقينُه، وثبت دينُه، والله من عندو بعينو...
الا فٱعلموا يا تاركي اكل الكروش..إنكم قياصرة، في الإحجام جبابرة، ستتلفقكم الحافرة.... وٱعلموا ان من كان منكم لم يذقها في حياته، فالويل له الويل له من حسراته في يوم مماته..
فٱتقوا الله واطبخوها كل يوم، ليطيب لكم النوم..