السيدة الفاضلة جميله فضل الله ( المعلمة الاولى ) - توفيت عام 1952 ميلادي.
تلقت السيدة جميلة القراءة على يد والدها السيد طالب فضل الله وختمت القرآن الكريم في فترة لا تتعدى خمسة أشهر ثم تعلّمت الكتابة رغم أن ذلك محظورا على النساء او لم يكن متعارفا عليه في ذلك الوقت.
بعد وفاة والدها ومن المسكن نفسه، انطلقت هذه السيدة بتعليم الرجال والنساء واستقطبت العديد من الطلاب وسرعان ما طارت شهرتها في قرى الجوار واصبحت المعلمة الاولى في البلدة وصاحبة اكبر مدرسة قرآنية في عيناتا والقرى المجاورة.
يقول السيد عبد المحسن فضل الله : « دخلت المكتب لتعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم، وكان المعلم فيه امرأة متقدمة في السن من عائلته، لها مراس طويل في تعليم الكتاب الكريم، قرأ عليها والده ومن تقدمه... وسرعان ما نال ثقة الشيخه». والده هوالسيد صدر الدين فضل الله (1884- 1941) . وهذا يدل على قدم هذه المدرسه من جهة وتحمّل هذه السيدة الشريفه لمسؤولياتها باكرا في محاربة الجهل والأمية من جهة ثانية.
ذكر ناصر نصرالله في كتاب الحركة الشعرية المعاصرة في عيناتا العاملية «كتّاب الست جميلة إبنة السيد طالب فضل الله درس فيها معظم رجال عيناتا حتى العلماء ورجال الدين (بزي مصطفى الكتاتيب- مجلة المنطلق عدد 110 / 1995ص 158)».
ينقل الصحافي حسين أيوب في جريدة السفير 22-تموز 2000 « الكبار في عيناتا يتفقون على رواية الست جميلة. أحد المعمّرين مواليد 1895 يقول " في أواخر سنوات العهد العثماني تلقّيت القراءة وحفظت القرآن على يد السيدة الشريفة جميلة إبنة السيد طالب فضل الله في مدرستها التي كانت قائمة في حارة السيّاد"».
تقول الكاتبة خديجة أيوب في سياق كلامها عن تاريخ عيناتا واسهاماتها العلمية" الكتاتيب الدينية كان أشهرها وأطولها عمرا كتاب الشريفة جميلة إبنة السيد طالب فضل الله الذي كان قائما في حارة السياد منذ أواخر العهد العثماني واستمر التعليم فيه طيلة الانتداب الفرنسي. ومعظم سكان عيناتا رجالا ونساء قرأوا عندها ومنهم العلماء... كما أمّ كتاتيب عيناتا تلامذة من قرى الجوار نظرا لشهرة أساتذتها فقد تخرّج على ايديهم العديد من العلماء والأدباء والشعراء في عيناتا وجبل عامل واشهر أساتذتها كان « سيبويه الثاني » ، الشيخ موسى مغنية ، وجميله فضل الله".
كان الطالب يبدأ القراءة والكتابة عند الست جميلة ومن أراد متابعة التعلّم ينتقل إلى الحوزة وقد اصبح هناك مقوله" من علّمته الست جميلة تعلّم ومن لم تعلّمه بقي أميا " وبهذا أصبحت تشكل مرجعية ثقافية ودينية وإجتماعية لنساء قريتها وقرى الجوار وحظيت بتقدير اجتماعي لدى الجميع وحتى كبار العلماء، لأن معظمهم بدأوا حياتهم العلمية في مدرستها. وكان الجميع ينادونها ب: " الست جميلة أو شيختي جميلة" .
لم تقتصر حياتها على التعليم بل لها مواقف بطولية تتناقلها الاجيال.
عام 1916 اعدمت القوات العثمانية السيد جواد فضل الله في سوق بنت جبيل وكاد الامر يتكرر مع أخيها العلامة السيد طاهر فضل الله ( ت 1360). يتابع الصحفي حسين أيوب في جريدة السفير : "فقد جاء العساكر سائلين أخته جميلة عنه لحظة كان هو يغادر عتبة منزله متخفيا بالعباءة السوداء التشادور التي ترتديها النساء فنفت علمها بمكان اختبائه فقرروا أخذها رهينة وعندما وصلت الى « عين الجوزة» استأذنتهم شربة ماء ورمت بنفسها في البئر- عندها ارتفعت أصوات النساء بالصراخ لقد رميتم الشريفة في البئر- أثار الأمر هلع العسكريين وخافوا من ردة فعل الاهالي فأدبروا هربا نحو بنت جبيل وسمع شباب البلدة صراخ جميلة فأخرجوها من العين سليمة ضاحكة تاركة الحكاية صفحة من صفحات عز بلدتها وهي السيدة التي لها حكايات أخرى في العلم والثقافة تعرفها عيناتا وقرى الجوار".
يقول الأستاذ ناصر نصرالله في سياق حديثه عن الحياة السياسية فى عيناتا "ومن القصص التي لا تزال محفورة في ذاكرة الاجيال والتي تظهر الظلم من ناحية والتضحية من ناحية أخرى قصة الست جميلة من آل فضل الله التي القت بنفسها في عين الجوزة وهي بئر عميقة وقريبة من بيتها عندما جاءت القوات العثمانية في طلب اخيها السيد طاهر فضل الله وحاصرته في البيت وهذا العمل الذي قامت به هذه الاخت الشريفه ادى الى نجاة اخيها الذي استطاع الافلات بعدما انهمك الجميع بانتشالها من البئر، ولم تصب بمكروه بفضل العنايه الالهية".
ارتحلت الى ربها عام 1952 بعد عمر طويل من العطاء العلمي والثقافي وشارك في تشييعها كبار العلماء واهالي بلدتها رجالا ونساء وأمّ الصلاة على جثمانها آية الله المقدس السيد محمد حسن فضل الله. ودفنت الى جانب شقيقها العلامة السيد طاهر فضل الله في مقبرة خاصة.
كان هناك محاولة لتجديد ضريحها فقال الشاعر السيد معروف فضل الله مؤرخا :
ما بين خاتمة وحسن مقدّمة --- عاشت جميلة في الحياة مكرّمة
ومضت إلى الرحمن تحمل زادها -- طيب السريرة في صفات المسلمه
شاهدت حين مررت قرب ضريحها --- أزهار روض الطيبين منمنمة
وتلوت فاتحة الكتاب على التي --- كانت بآيات الكتاب معلّمه
حتى إذا ماجت بوهم خواطري --- صور بها شرد اليراعة مبهمة
هتف البيان بمسمعي متلفتا --- أرّخ "جميلة في النعيم منعّمه".